طريق "نسيج الحياة"- ضم القدس وتقطيع الضفة الغربية

المؤلف: د. عبد الله معروف09.09.2025
طريق "نسيج الحياة"- ضم القدس وتقطيع الضفة الغربية

تتجلى ذروة المساعي الإسرائيلية لضم أراضٍ واسعة من الضفة الغربية إلى القدس الشرقية في قرار حكومة نتنياهو بالمضي قدمًا في تنفيذ مشروع "طريق نسيج الحياة". هذا المشروع، الذي يعتبر الأكبر منذ عام 1967، يهدف إلى دمج مناطق خارج حدود بلدية القدس، وعلى رأسها مستوطنة معاليه أدوميم الكبرى، وتوسيع حدود بلدية القدس بنسبة 3٪ إضافية من أراضي الضفة الغربية، لضمها رسميًا إلى إسرائيل.

يكمن جوهر هذا التصور في إنشاء نفق يمتد طوليًا في قلب القدس الشرقية، مخصص حصريًا للفلسطينيين. يهدف هذا الإجراء إلى منع الفلسطينيين منعًا باتًا من استخدام الطريق رقم 1، الذي يمر عبر الأحياء العربية في القدس ويخترق مداخل معاليه أدوميم في اتجاه أريحا. في السابق، كان الفلسطينيون مضطرين لاستخدام جزء من هذا الطريق المخصص للمستوطنين للتنقل بين شمال وجنوب الضفة الغربية، حيث كانوا يدخلون الطريق رقم 1 بالقرب من عناتا (شمال القدس) ويغادرونه جنوبًا بعد معاليه أدوميم للدخول إلى طريق رام الله – بيت لحم، والمعروف باسم "طريق وادي النار".

تطمح السلطات الإسرائيلية حاليًا إلى حفر نفق تحت الأرض يربط منطقة الزعيم في شمال شرق القدس بالطرف الجنوبي من حي العيزرية، الذي لا يفصله عن البلدة القديمة في القدس سوى جبل الزيتون.

على الرغم من تصدره عناوين الأخبار مؤخرًا، فإن هذا المشروع ليس وليد اللحظة. فقد تمت الموافقة عليه لأول مرة في ربيع عام 2020 خلال حكومة نتنياهو الائتلافية، لكن التنفيذ تعثر بسبب التحديات التي واجهت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. انهارت تلك الحكومة بعد شهرين فقط من إقرار المشروع، وتلتها حكومة جديدة برئاسة نتنياهو لم تستمر سوى شهر واحد، لتسقط في منتصف عام 2020. بعد ذلك، تشكلت حكومة ائتلافية بقيادة نفتالي بينيت بالتعاون مع يائير لابيد، والتي انتهت في نهاية عام 2022. ومنذ ذلك الحين، عاد نتنياهو إلى السلطة، مشكلًا حكومته الحالية بالتحالف مع تيار الصهيونية الدينية، الذي يرى فيه العديد من المحللين والمراقبين القوة الحاكمة الفعلية اليوم. انشغلت هذه الحكومة، لأكثر من عام ونصف، في الحرب المستمرة في قطاع غزة وعلى جبهات أخرى متعددة.

يعتبر هذا المشروع ذا طبيعة إستراتيجية بالغة الخطورة، حيث يرتكز على رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون بشأن التوسع في بلدية القدس شرقًا على حساب أراضي الضفة الغربية.

كان شارون يعتقد أن الحل الوحيد لقضية القدس يكمن في السيطرة على المزيد من الأراضي شرقي المدينة وضمها إليها. كان الهدف هو ضمان التوزيع الكامل للمستوطنين في جميع المناطق المحيطة بالقدس، وخاصة الشرق، للحفاظ على الهوية اليهودية للمدينة، كما تراها إسرائيل، ومحاصرة المناطق الفلسطينية في القدس الشرقية وعزلها عن محيطها الاجتماعي الطبيعي في الضفة الغربية.

الهدف النهائي هو إقامة ما يسمى "القدس الكبرى"، والتي تهدف إلى تقسيم الضفة الغربية إلى قسمين شمالي وجنوبي، مما يحول دون التواصل الجغرافي بينهما ويقضي على أي أمل في قيام دولة فلسطينية مستقبلية.

شكلت هذه النقاط حجر الزاوية للأفكار التي طرحها شارون في مشروعه القديم للقدس الكبرى. على الرغم من أن إسرائيل أعلنت في مناسبات عديدة، كان آخرها عام 2007، عن مشاريع تصب جميعها في فكرة القدس الكبرى، مثل مشروع "القدس أولًا" وغيره، إلا أنها لم تتخذ خطوات صارخة في اتجاه تحقيق هذه الرؤية المعلنة. كان السبب الرئيسي في ذلك هو عدم الاعتراف الدولي بالقدس عاصمة لإسرائيل، بالإضافة إلى حساسية الأماكن المقدسة، التي كانت إسرائيل تخشى أن تؤدي إلى تفجير الأوضاع في المنطقة بأسرها.

لذلك، اتخذت إسرائيل إجراءات حذرة وتدريجية، محاولة تطبيق هذه الرؤية تدريجيًا دون لفت الانتباه بشكل واضح إلى ما يجري.

إذًا، ما الذي استجد لتقرر إسرائيل المضي قدمًا في هذا المشروع في هذا التوقيت تحديدًا؟

الجديد على الساحة هو، بلا شك، سيطرة تيار الصهيونية الدينية على زمام الحكم في إسرائيل، حيث لم يعد بإمكان نتنياهو الانحراف قيد أنملة عن رغبات وأوامر زعيمه سموتريتش، خاصة بعد أن أنقذ الأخير حكومته من الانهيار خلال مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، والتي انسحب على إثرها إيتمار بن غفير من الحكومة.

كانت المعادلة في ذلك الوقت بمثابة فوز للطرفين: فقد أنقذ نتنياهو نفسه من السقوط المحتمل والسجن، بينما حمى سموتريتش حزبه من الانهيار في انتخابات مبكرة، والتي لم تكن استطلاعات الرأي تتوقع له حتى دخول الكنيست. لكن تعافي حزب سموتريتش في استطلاعات الرأي لاحقًا منحه دافعًا إضافيًا لابتزاز نتنياهو، الذي أصبح أكثر حاجة إليه من أي وقت مضى.

كل ما يهم سموتريتش هو تنفيذ خطته لضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، وهو الوعد الذي قطعه لأنصار تياره. ومع ابتعاده تدريجيًا عن بن غفير بسبب الخلافات المتزايدة بينهما، أصبح من الضروري أن يحاول سموتريتش اقتحام ساحة القدس، التي كان بن غفير يعتبرها ملعبه الخاص الذي يقدمه لجمهور اليمين المتطرف.

لذلك، بادر سموتريتش إلى بدء العمل في هذا المشروع وتمويله من أموال المقاصة التي صادرتها إسرائيل من السلطة الفلسطينية بأوامر مباشرة منه. بمعنى أنه يقدم اليوم لنفسه وحزبه وتياره إنجازًا لا يكلفه شيئًا، لأنه ممول من أموال الضرائب التي يدفعها الفلسطينيون أنفسهم، بحجة أن هذا الطريق/النفق الذي سيتم البدء فيه مخصص أصلًا للفلسطينيين.

يبدو أن بن غفير قد استوعب اللعبة التي يلعبها سموتريتش، وأنه يتعدى الآن على مساحته وملعبه الخاص في القدس، ويقدم نفسه بديلًا له أمام مستوطني القدس. لهذا السبب، لجأ إلى حيله المعتادة لجذب انتباه العالم، وهي اقتحام المسجد الأقصى واللعب على وتر المقدسات في منافسته مع صديقه اللدود سموتريتش. فهو بذلك يقول إنه هو الأمل الوحيد المتبقي للمستوطنين، ليس فقط في ملف القدس، بل في أهم الملفات المرتبطة بالقدس، وهو ملف الأماكن المقدسة الذي لا يزال سموتريتش ينأى بنفسه عنه، التزامًا بفتوى الحاخامية الكبرى التي تمنع دخول اليهود إلى المسجد الأقصى، ريثما يتم استكمال شرط الطهارة المرتبط بالبقرة الحمراء الموعودة.

يثار هنا سؤال هام: إذا كان سموتريتش يروج لمشروع ضم الضفة الغربية وتهجير سكانها إلى الأردن، فلماذا يكلف نفسه عناء دعم مشروع نفق خاص بالفلسطينيين يساهم في تنقلهم بين شمال وجنوب الضفة الغربية؟

الجواب هو أننا أمام عملية معقدة تحقق فيها إسرائيل عمومًا، وسموتريتش وتياره على وجه الخصوص، جملة من الأهداف على المستويين القصير والبعيد.

على المدى القريب، يحقق هذا المشروع الفصل العنصري الكامل بين الفلسطينيين والمستوطنين في مناطق الضفة الغربية المحيطة بالقدس. فالنفق المزمع تنفيذه سيجبر الفلسطينيين على استخدام طريق واحد تحت الأرض بين رام الله في شمال الضفة وبيت لحم في جنوبها، وبالتالي تتحول شبكات الطرق الكبيرة التي تصل مستوطنات شرقي القدس إلى وحدة واحدة خاصة بالمستوطنين وحدهم، دون مشاركة الفلسطينيين فيها بأي شكل من الأشكال.

بذلك، يستطيع سموتريتش أن يقدم نفسه لجمهور المستوطنين في مستوطنة معاليه أدوميم، الذين يتجاوز عددهم 38 ألف مستوطن، باعتباره المنقذ لهم من الاختلاط بالفلسطينيين والقائد الذي حقق لهم الأمن المنشود دون أن يكلف ميزانية الدولة أو يكلفهم شيئًا.

إضافة إلى ذلك، فإن هذا المشروع على المدى البعيد لا يساهم في ربط الفلسطينيين في الضفة الغربية ببعضهم البعض، بل يحقق عكس ذلك. فحرمان الفلسطينيين من حرية الحركة بين شمال الضفة وجنوبها، وحصرَها في خيط رفيع واحد هو هذا النفق، يجعل قطع الطريق بين شطري الضفة أمرًا يسيرًا متى شاءت إسرائيل، وذلك بحاجز عسكري واحد لا يتجاوز بضعة جنود.

وبذلك يتم الفصل التام بين شمال الضفة الغربية وجنوبها. أي أن هذا المشروع يعني فعليًا أن الفلسطينيين لن يتمكنوا من إنشاء أي كيان متصل في الضفة الغربية، مما يسهل على إسرائيل الانفراد بمناطق الضفة الغربية الواحدة تلو الأخرى إذا اتخذت قرارها الأخطر بتنفيذ عملية تطهير عرقي في المنطقة. والمثال الأكبر على ذلك هو ما يحدث حاليًا في قطاع غزة، حيث يتم تقسيمه إلى مناطق شمالية وجنوبية، والانفراد به في محاولة لتهجير سكانه بالكامل.

كما أن ضم مستوطنة معاليه أدوميم إلى القدس يتبعه ضم المنطقة المسماة E1 أيضًا، والتي تحيط بأحياء العيزرية وأبو ديس التي تقع شرقي القدس ولكن خارج الجدار العازل. وهذا يعني ابتلاع ما يصل إلى حوالي 3٪ من مساحة الضفة الغربية مع محاصرة هذه الأحياء بالكامل وعزلها عن محيطها سواء في الضفة أو القدس، فيما يشبه الغيتو. وسواء شئنا أم أبينا، فإن هذا المشروع لن يكون النهاية، بل بداية تنفيذ ضم الضفة الغربية بالكامل قطعة قطعة عندما يتم التخلص من العبء الأكبر المتمثل في القدس.

أمام هذا كله، لا نجد مفرًا من تكرار الحل الأوضح والأكثر إيجازًا: يجب على الشعب الفلسطيني ألا ينتظر حتى يبدأ الاحتلال في تنفيذ مخططاته لكي يبدأ بالرد، فمن يبدأ العمل أولًا يختصر نصف الطريق.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة